راقني ما قرأت فأحببت أن أنقله
فتقبلوا جهدي بدعوة في ظهر الغيب
بـــــــــدأنا
و مرت دقائق و كلانا صامت حائر مفكر يترقب الآخر ليبدأ بالكلام . و لكن هل هو الكلام الذي يحدث التفاهم بين الأرواح المتحابة ؟ هل هي الأصوات و المقاطع الخارجة من الشفاه و الألسنة التي تقرب بين القلوب و العقول ؟ أفلا يوجد شيء أسمى مما تلده الأفواه و أطهر مما تهتز به أوتار الحناجر ؟ أليست هي السكينة التي تحمل شعاع النفس إلى النفس , و تنقل همس القلب إلى القلب ؟ أليست هي السكينة التي تفصلنا عن ذواتنا فنسبح في فضاء الروح غير المحدود , مقتربين من الملأ الأعلى , شاعرين بأن أجسادنا لا تفوق السجون الضيقة , و هذا العالم لا يمتاز عن المنفى البعيد ؟
إن قلب المرأة لا يتغير مع الزمن ولا يتحول مع الفصول . قلب المرأة ينازع طويلا و لكنه لا يموت . قلب المرأة يشابه البرية التي يتخذها الإنسان ساحة لحروبه ومذابحه , فهو يقتلع أشجارها و يحرق أعشابها و يلطخ صخورها بالدماء و يغرس تربتها بالعظام و الجماجم , و لكنها تبقى هادئة ساكنة مطمئنة و يظل فيها الربيع ربيعا و الخريف خريفا إلى نهاية الدهور ...
كانت المرأة بالأمس خادمة سعيدة فصارت اليوم سيدة تعسة . كانت بالأمس عمياء تسير في نور النهار فأصبحت مبصرة تسير في ظلمة الليل . كانت جميلة بجهلها فاضلة ببساطتها قوية بضعفها فصارت قبيحة بتفننها سطحية بمداركها بعيدة عن القلب بمعارفها . فهل يجيء يوم يجتمع في المرأة الجمال بالمعرفة , و التفنن بالفضيلة , و ضعف الجسد بقوة النفس ؟ أنا من القائلين إن الارتقاء الروحي سنة في البشر , و التقرب من الكمال شريعة بطيئة لكنها فعالة ....
و المرء إن لم تحبل به الكآبة و يتمخض به اليأس و تضعه المحبة في مهد الأحلام تظل حياته كصفحة خالية بيضاء في كتاب الكيان .